واشنطن تعترف بأنها صاحبة القرار في الأزمة الأوكرانية ؟

رامي الشاعر

كاتب ومحلل سياسي

نشرت الصين اقتراحاً مؤلفاً من 12 بنداً لتسوية الأزمة الأوكرانية، فيما أكدت وزارة الخارجيةالصينية في بيان لها على ضرورة استئناف الحوار المباشر بين روسيا وأوكرانيا في أسرع وقتممكن.

من جانبه، اعتبر الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الخطة التي اقترحتها الصين لتسوية النزاع فيأوكرانيا ليست سوى محاولة “غير منطقية” لإنهاء ما أسماه “حرباً غير عادلة تماماً”، في إشارةإلى العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا.

كذلك زعم بايدن بأن “بوتين وحده يصفّق للخطة، فما هي الفائدة منها؟” مضيفاً أنه “لم ير أيشيء في هذه الخطة من شأنه أن يشير إلى أن تنفيذها يمكن أن يكون مفيداً لطرف آخر سوىروسيا”.

رحبت الخارجية الروسية بالرغبة الصينية الصادقة للإسهام في التسوية بأوكرانيا بالطرقالسلمية، وأعربت عن مشاطرة موسكو بكين رؤيتها للتسوية، فيما جاء في بيان الخارجيةالروسية: “نشاطر بكين طرحها للتسوية، وملتزمون باحترام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدوليوالإنساني والأمن الشامل، بما لا يعزز أمن دولة على حساب دولة أخرى، أو فريق من الدول علىحساب آخر”، كما أضافت الخارجية: “نرى إلى جانب الصين أن أي قيود تفرض خارج نطاقمجلس الأمن الدولي غير شرعية، وأداة في المنافسة غير المتكافئة والحرب الاقتصادية”. وأكدتموسكو أنها “منفتحة على تحقيق أهداف العملية العسكرية بالوسائل السياسية والدبلوماسية”.

من الواضح أن رؤية بايدن للمقترحات الصينية قد تمت صياغتها في غرفة العمليات الأمريكيةالتي تدير معركة “الناتو” ضد روسيا على أراضي أوكرانيا وبأيادي الشعب الأوكراني الشقيق،وهي رؤية تعد اعترافاً علنياً من قبل واشنطن بأنها الدولة الأساسية المعنية بـ “الحرب الأوكرانية”على حد تعبير بايدن، وهي الدولة صاحبة اليد الطولى، والقرار النهائي في أي جدوى لأي جهودأو اقتراحات يمكن أن يتقدم بها أي طرف لحل الأزمة الأوكرانية.

والسؤال المطروح الآن لمركز صناعة القرارات السياسية في واشنطن، بعد وصف بايدن لمقترحاتالصين بـ “غير المنطقية”، عن أي مفاهيم للعدالة أو المنطق تتحدث الولايات المتحدة الأمريكية،بينما تدعم إسرائيل في سياسات التوسع والتعدي على المقدسات الدينية والقتل شبه اليوميلأبناء الشعب الفلسطيني، فيما ودعت مدينة نابلس، قبل أيام معدودة، إحدى عشر شهيداً، لتصلقافلة الشهداء منذ بداية هذا العام إلى 100 شهيد تقريباً.

بل قل إن السؤال المطروح على الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث ساندت 141 دولة قراراًأمريكياً أوكرانياً يدعو إلى “الانسحاب الفوري للقوات الروسية من أوكرانيا”، وإلى “سلام عادلودائم”، هل تتذكر أي من هذه الدول ما قام به النظام الحالي في كييف من قتل وتعذيب واضطهادلعشرات الآلاف من للأبرياء العزل المدنيين في دونباس، في تجاهل تام من قوات حفظ السلامالتابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وهل فتح أي من هذه الدول كتب التاريخ ليقرأوا عن شعوب هذه المناطق، وعلاقتهم بالثقافةالروسية واللغة الروسية، ومدى الظلم الذي تعرضوا له بمنعهم من إقامة مدارس روسية، وإطلاققنوات تلفزيونية روسية، بل والحديث في الأماكن العامة باللغة الروسية، في محاولة لمحو كل ماهو روسي في تلك المناطق.

وهل تعي الدول العربية والإسلامية أن سابقة كهذه يمكن أن تلحق الأذى بالقضية الفلسطينية،وتشرعن الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتدنيس المقدسات الدينيةالإسلامية والمسيحية. إني أنصح الدول العربية أن تلتزم بعدم تأييد أي مبادرات تدعمها أو تتقدمبها واشنطن للأمم المتحدة طالما كانت تلك المبادرات تقف عائقاً أمام قيام الدولة الفلسطينيةالمستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إلا أن ذلك الموقف الذي اتخذته الدول، تحت ضغط أو إملاءات غربية، لا قيمة له، لأن امتناع أواعتراض روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا (دول منظمة بريكس) يعني ببساطة أن75% من سكان العالم لا يوافقون على هذا القرار، وعلى الرغم من أنني كنت أتمنى أن تمتنع الدولالعربية أيضاً، وتلتزم بالحياد الذي التزمت به منذ البداية، وألا تكون هناك سابقة تاريخية تثبتاضطرارهم أو إجبارهم على التصرف بهذا الشكل غير المسؤول، لكن للضرورة أحكام فيما يبدو!

لكن الملفت كذلك هو تهافت المحللين السياسيين والعسكريين العرب على تبني وجهات النظرالغربية، واجتزاء الأزمة الأوكرانية من سياقها التاريخي والسياسي، وتصوير الأمر وكأن روسيا“تعتدي”، و”تبدأ” عملياتها العسكرية دون الاستناد إلى أساس منطقي وسليم وقانونيلعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

لقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال خطابه أمام الجمعية الفدرالية الروسية بأن روسيا“لم تبدأ الحرب، وإنما تسعى لإنهاء ما أعلنه الغرب من حرب هجينة ضدها”.

وبالفعل، لم نستمع إلى المحللين السياسيين والعسكريين العرب يتفوه بنصف كلمة حينما خان“الناتو” عهده بعدم التمدد سنتيمتراً واحداً تجاه الشرق، بعد توحيد الألمانيتين في 1990، تعهد“الناتو” حينها “شفهياً” بعدم نشر قواته في ألمانيا الشرقية، ولا نقول في المجر وبولندا والتشيكوبلغاريا ولاتفيا وليتوانيا وإستونيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا وألبانيا وكرواتيا والجبلالأسود ومقدونيا الشمالية، وهي الدول التي ضمها “الناتو” على 5 موجات في أعوام: 1999،2004، 2009، 2017، 2020.

لم يتفوه أحد بنصف كلمة حينما قام “الناتو” بما يقرب من 10 مناورات عسكرية مع أوكرانيا،ودججها بالسلاح بعد الانقلاب الذي قامت به الدول الغربية داخل أوكرانيا في 2014، وجاءتبحكومة تديرها المخابرات المركزية الأمريكية من مبنى السفارة الأمريكية في كييف بأجهزة التحكمعن بعد، ولم يتفوه أحد بنصف كلمة حينما ضرب النظام في كييف بعرض الحائط كل مقرراتاتفاقيات “مينسك-2“، التي وقع عليها الرئيس الأوكراني بوروشينكو والمستشارة الألمانية ميركلوالرئيس الفرنسي هولاند برعاية ودعم مجلس الأمن الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة، والتياتضح فيما بعد، باعتراف الأطراف الثلاثة (بوروشينكو وميركل وهولاند)، أنها كانت “مسرحيةدبلوماسية” لكسب الوقت لتسليح أوكرانيا استعداداً للمواجهة مع روسيا.

لكنهم الآن، يبترون جزءا من التاريخ بتراً، ليقولوا إن ما يسمونه “الحرب” بدأ في 24 فبراير منالعام الماضي، وهذا افتراء باطل لا صحة له، بل إن ما بدأ في 24 فبراير من عام 2022 هو عمليةعسكرية روسية خاصة للدفاع عن أهالي دونباس، ولتحرير المناطق الروسية التي أعلنت شعوبهاالروسية عن رغبتهم الواضحة من خلال استفتاءات شرعية عن رغبتهم في تقرير مصيرهم والعودةإلى حضن الأم وطنهم الأصلي روسيا، والمثبت تاريخياً، وأتمنى على المحللين السياسيينوالعسكريين العودة إلى التاريخ القريب وليس البعيد للتأكد من ذلك.

أما حرب الغرب ضد روسيا، والعداء المرضي لروسيا، والرغبة الدفينة القديمة لـ “هزيمة روسيااستراتيجياً” فإنني أظن أن صانعي القرار في واشنطن يدركون أن مخططهم قد فشل، ويحاولونالآن بأي شكل من الأشكال الخروج على نحو لا يسجل بتاريخهم على أنهم هزموا، وسيوقعونمزيداً من الضحايا من الأوكرانيين والروس لتبرير إيقاف مساعداتهم لأوكرانيا، بدعوى أنهم “فعلواكل ما بأيديهم”، ولم يتمكنوا من تغيير المعادلة لصالح أوكرانيا وصالحهم، مدركين أن استمرارالتصعيد بهذا الشكل من الممكن أن يؤدي إلى صدام مباشر مع روسيا، وهو ما لا تريده، ولاتستطيع تحمله أوروبا.

إن اعتراف بايدن في المقابلة التي أجراها بخصوص المقترحات الصينية ليس سوى إعلان عن أنالولايات المتحدة الأمريكية تعي تماماً ما الذي يعنيه انتقال العملية العسكرية الروسية الخاصةإلى “حرب” حقيقية من قبل روسيا، وما الذي يعنيه أن تتحرك مئات الآلاف من قوات الجيشالروسي في هجوم مع إسناد مدفعي، مع العلم بسيادة القوات الجوية الفضائية الروسية علىالأجواء الأوكرانية بشكل كامل، فيما اضطر الرئيس الأمريكي إلى التخفي براً للهروب إلى ومنكييف عبر بولندا.