نيجيرفان بارزاني: التعايش السلمي تحول إلى قوة كبيرة لكردستان

 
شارك رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، مساء اليوم السبت 5 آب 2023، في مراسم افتتاح المجمع والكاتدرائية الجديدة لبطريركية كنيسة المشرق الآشورية بأربيل، التي جرت بحضور بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم، قداسة البطريرك مار آوا الثالث.
 
وخلال المراسم التي حضرها عدد من الوزراء والمسؤولين في إقليم كردستان والدبلوماسيين ورجال الدين المسيحيين والمسلمين وأتباع كنيسة المشرق الآشورية، ألقى رئيس اقليم كردستان نيجيرفان بارزاني كلمة، فيما يأتي نصها:
 
“قداسة البطريرك مار آوا الثالث
بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم
 
الشخصيات ورجال الدين والحضور الكرام..
 
طاب مساؤكم..
 
أرحب بكم في افتتاح المجمع والكاتدرائية الجديدة البطريركية في مدينة أربيل. أشعر بسعادة بالغة إذ أشارككم أيها الكرام في هذه المراسم، وأهنئ جميع أتباع كنيسة المشرق الآشورية في إقليم كوردستان والعراق والعالم والمسيحيين كافة بافتتاح هذا المجمع الجميل.
 
من هنا، وبهذه المناسبة نستذكر بتقدير وإكرام المرحوم قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الرئيس الأسبق لكنيسة المشرق الآشورية الذي قرر نقل الكرسي الكهنوتي من أمريكا إلى أربيل، لكن للأسف لم يمهله الأجل فتوفي قبل إنجاز ذلك. طابت ذكراه ونأمل أن يُسعد افتتاح هذه الكاتدرائية روحه.
 
كان هذا القرار قراراً شجاعاً جداً، وكان دعماً كبيراً لكوردستان، بنى ثقة المسيحيين وأقنعهم بالبقاء هنا في بلدهم والثقة به وعدم الهجرة منه. وقبل ذلك في العام 2014 عندما كان داعش قد احتل مساحات من أرض كوردستان والعراق عموماً وقسماً من سوريا، اتجه عدد كبير من المسيحيين وغيرهم إلى إقليم كوردستان.
 
لهذا فإننا اليوم مع أهالي أربيل وكوردستان وقداسة البطريرك مار آوا الثالث، سعيدون جداً بافتتاح هذه الكاتدرائية وهذا المجمع الديني في إقليم كوردستان.
 
أنا على ثقة أن هذا المجمع الجميل سيصبح مركزاً آخر لتعزيز عقيدة ومشاعر التعايش في إقليم كوردستان وفي العراق، وحافزاً آخر للبقاء وعدم الرحيل عن البلد. كوردستان جميلة بتعدديتها الدينية والمكوناتية، والمسيحيون جزء رئيس من جمال التعايش في كوردستان.
 
التعايش السلمي أصبح ثقافة راسخة في كوردستان لم يتمكن من تخريبه أي نظام وقوة رغم كل المؤامرات. التعايش هو مبدأ متجذر في عقيدة كل الكوردستانيين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومي والديني. هذا التعايش بيننا في كوردستان متأصل وقوي بحيث أصبح مبعث قوة كبيرة لنا جميعاً ومحل تقدير من العالم.
 
كلنا في كوردستان نذكر قول الرئيس الأمريكي السيد باراك أوباما في خطابه التاريخي ليلة السابع من آب 2012 عندما قرر أن تتصدى أمريكا لهجوم داعش، إذ قال: أربيل خط أحمر عندنا”، ومن بين الأسباب التي أوردها عند الحديث عن ضرورة حماية أربيل وإقليم كوردستان، قوله: لقد بني في هذه المنطقة تعايش ناجح للغاية وقوي.
 
من دواعي فخرنا جميعاً أنه بعد انتفاضة 1991 وتشكيل برلمان كوردستان، كانت ضرورة تمثيل المسيحيين والتركمان في برلمان وحكومة إقليم كوردستان من القرارات الرئيسة، ومنذ ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا وإلى جانب الاهتمام باللغة الكوردية كان هناك اهتمام باللغتين السريانية والتركمانية وبدأ الأطفال المسيحيون والتركمان في هذا الإقليم يدرسون ويتعلمون بلغتهم.
 
الحرية التي تحققت في إقليم كوردستان كانت سبباً لانتعاش كل قوميات وأديان ومكونات كوردستان. هذا التعايش جعل كوردستان مريحة لنا وجميلة في نظر العالم، ولن نتخلى عن تعزيز هذا التعايش وسنزيد من توطيده.
 
أيها الحضور الكريم..
 
إن منطقتنا التي عرفت تاريخياً باسم ميزوبوتاميا، كانت مركزاً كبيراً لنشأة الحياة والإنسانية والحضارة. كانت منطقة مختلطة ومتنوعة القوميات. لقد كانت ميزوبوتاميا بحق حديقة مزدانة بالأمم. لكن المؤسف أنه نتيجة للغزوات الخارجية، شهدت المنطقة عمليات إبادة جماعية كبرى. لكن رغم ذلك، صمدت التعددية القومية والدينية في كوردستان ولم تندثر، بفضل تحول قومياتها ودياناتها إلى دروع يحمي أحدها الآخر.
 
تاريخ التعايش في كوردستان موغل في القدم، وقام عدد من القادة التاريخيين بتحديثه وتقويته في مراحل كثيرة، مثلما كتب الرئيس مسعود بارزاني يقول إن هذا التعايش تم تعزيزه في مطلع القرن الماضي بين الشيخ عبدالسلام بارزاني ومار بنيامين شمعون وأندريانيك باشا.
 
من دواعي الارتياح أن الاتفاق والنضال المشترك الذي أرساه الشيخ عبدالسلام بارزاني ومار بنيامين شمعون، انعكس على ثورات بارزان وثورتي أيلول وكولان ولا يزال. وبعون الله تعالى، سيزداد قوة ومتانة في كوردستان.
 
أيها السادة..
 
هذا التعاون وهذه الحماية المتبادلة تجددت مرة أخرى وعلى نطاق واسع وجديد عند اندلاع الحرب الطائفية في العراق بعد العام 2003 وبعد الهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة ومن بعدها هجمات إرهابيي داعش. فأصبح إقليم كوردستان وبفخر ملاذاً آمناً لحماية المسيحيين وسائر مكونات العراق، وكان ذلك واجبنا ومحل اعتزاز كل أبناء إقليم كوردستان حينها والآن.
 
للأسف، تم بعد بدء الحرب الطائفية وهجمات تنظيم القاعدة الإرهابي في محافظات جنوب ووسط العراق خلال الفترة بين العامين 2004 و2008، تفجير 111 كنيسة أو مهاجمتها، واستشهد 1315 مواطناً مسيحياً، إضافة إلى اختطاف مئات المسيحيين واغتيال العديد من المطارنة والقساوسة والشماسين، واستشهد العديد من الأطفال المسيحيين وجرحوا وهم في طريقهم إلى المدارس، وصودرت العشرات من أملاك ودور وعقارات المسيحيين.
 
ومن دواعي الارتياح، أنه بفضل حماية التعايش والاستقرار في إقليم كوردستان وجهود مؤسسات حكومة إقليم كوردستان لم يصب الضرر، حتى في تلك الأثناء، أي كنيسة أو مواطن مسيحي في إقليم كوردستان، وقدم العشرات من البيشمركة أرواحهم قرابين في سبيل حماية وتحرير قرى وبلدات المسيحيين في سهل نينوى.
 
أدت هجمات تنظيم القاعدة الإرهابي إلى نزوح عشرات آلاف المسيحيين إلى إقليم كوردستان، وفي حزيران 2014 ونتيجة هجمات إرهابيي داعش على محافظة نينوى، قصد 150 ألف مسيحي بين ليلة وضحاها إقليم كوردستان ولا يزال 40% من هؤلاء النازحين لم يعودوا إلى ديارهم في محافظة نينوى ويقيمون في إقليم كوردستان.
 
إن قضاء عينكاوا الآن واحد من كبرى مدن المسيحيين في الشرق الأوسط، حيث يعيش 86 ألف مسيحي. وحظيت عينكاوا في كل وقت باهتمام خاص من لدن حكومة إقليم كوردستان ونظر إليها أهالي كوردستان دائماً بعين التقدير والاحترام.
 
أيها السادة..
 
يجدر هنا أن نتقدم بالشكر الجزيل لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كوردستان التي حثت باستمرار رجال الدين على تعزيز التعايش، كما نتقدم بالشكر الجزيل لاتحاد علماء الدين الإسلامي في كوردستان وعلماء الدين الإسلامي في كوردستان على وقوفهم ضد انتشار خطاب العداء وضد تخريب التعايش الديني في كوردستان.
 
في نفس الوقت، نشكر المطارنة ورجال الدين المسيحي في إقليم كوردستان الذين لم يسمحوا بأي شكل بظهور أي صوت أو إتيان أي تصرف استفزازي أو عمل يؤذي المسلمين أو الديانات الأخرى في إقليم كوردستان، ووقفوا ضد كل خطاب وفعل من هذا النوع في كل مكان من العالم.
 
أيها الحضور الكريم..
 
إن التقدم والنجاح لا يتحققان من خلال التلون بلون واحد. التعددية هي التي أنتجت التقدم للعالم وللإنسانية. أما الحروب القومية والدينية والطائفية فقد دمرت الكثير من البلاد وسببت تخلّفها. في حين أن الشعوب التي تنعم بالتعايش السلمي القومي والديني ملأوا بلادهم والعالم بالتقدم التكنولوجي والحضاري وواضح بجلاء أن طريق التقدم للبلاد والرخاء للشعوب يتمثل في السلام وقبول الآخر والتعايش. لقد اخترنا نحن الطريق الصحيح وطريق الرب عندما آمنّا بالتعايش.
 
كان الله تعالى قادراً على أن يجعل كل البشر من قومية واحدة يتحدثون لغة واحدة، لكنه جعل من التعددية آلية لتقدم الإنسانية، من خلال حثه البشر على التعارف والتعاون والتعايش.
 
الآن، نرى اليوم في نفس هذا المكان الجميل وعلى الجانب الآخر من الشارع، مقابل هذه الكنيسة الجميلة جامعاً جميلاً، وأنا أرى أفقاً مضيئاً للمزيد من توطيد التعايش في كوردستان. أرجو من كل فرد، ومن كل أم وأب في بيتهم، وكل معلم في مدرسته، وكل شخصية دينية في معبدها، أن يلقوا في كل يوم محاضرة جميلة عن التعايش، فهذه رغبة الرب وهي الطريق لتقدم المجتمع. يجب أن لا نترك هذا الطريق بل علينا أن نجعله أقوى.
 
مرة أخرى أتقدم بالتهاني بمناسبة افتتاح هذه الكاتدرائية والمجمع ودمتم في سلام وسعادة “.