سيل نيوز تنشر تقريرا خطرا بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف
سيل نيوز/ بغداد
في الوقت الذي يواجه فيه العراق تحديات متعددة ومتفاقمة ناجمة عن التغييرات المناخية ، بما في ذلك موجات الحر الطويلة ، وانخفاض معدل هطول الأمطار ، ونقص وفقدان الأراضي الخصبة ، وملوحة التربة ، وعدم كفاية الاستثمارات في البنية التحتية ، ونقص المياه العابرة للحدود ، وانتشار العواصف الترابية ، تقوم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في العراق بإحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، مع دعوة للعمل و الى اتخاذ اجراءات لحماية البلد من الآثار المدمرة .
يعتبر العراق من بين الدول الخمس الأولى الأكثر تضرراً من التغييرات المناخية، ، وفي المرتبة 39 بين الدول الاكثر إجهادا للمياه. وقد أدى الانخفاض القياسي في معدل سقوط الأمطار في العام الماضي – وهو ثاني اكثر المواسم جفافاً منذ 40 عامًا – إلى نقص المياه والتصحر وتآكل التربة بسبب الممارسات الزراعية غير المستدامة والى تضرر وانكماش الغطاء النباتي. لقد أدى الصراع إلى تدمير الأراضي ومصادر المياه في العراق ، مما تسبب في المزيد من تآكل التربة وتلوثها ،فيما يشكل عدم اليقين السياسي تحديات أمام الإدارة البيئية.
إن الانخفاض الحاد في الأراضي الزراعية ، والتنوع البيولوجي في الزراعة ، وتدهور الأراضي والتربة ، وزيادة الكثبان الرملية أدى إلى زيادة العبء والضغط ، مما أدى الى هجرة الحيوانات ونفوقها. ومن الأمثلة على ذلك العواصف الترابية المتعددة التي شهدها البلد حتى الآن في عام 2022 والتي تسببت في وفيات بشرية ، أو جفاف بحيرة ساوه في محافظة المثنى هذا العام بسبب أزمة المياه. ان التوقعات حتى عام 2040 ، والتي تُركت دون مراقبة ، تُظهِر ضغوطاً وإجهادا متزايداً على مصادر المياه في العراق ، والتي تواجه أيضاً تحديات كبيرة من التلوث الناجم عن صناعة النفط ومياه الصرف الصحي ، وضعف الإدارة البيئية ، والحرائق. واقترانا بشحة المياه وندرتها ، فقد أدت إزالة التربة السطحية وانخفاض إنتاجية الأراضي إلى انخفاض إنتاج الغذاء في العراق. و أظهرت دراسة استقصائية أجريت عام 2021 ، وشملت 7 محافظات ، أن 37٪ من مزارعي القمح و 30٪ من مزارعي الشعير يعانون من فشل المحاصيل. في الوقت نفسه ، انخفضت الإيرادات والمداخيل حيث لا يملك المزارعون محاصيل محصودة لبيعها ، مما يؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي.
إن الأربعة ملايين شخص الذين يعيشون في محافظة البصرة التي هي المصب في العراق هم الأكثر تأثرا بندرة المياه وشحتها. وكانت أهوار العراق ، بتراثها الثقافي والإنساني العميق ، ومواردها الطبيعية لسبل كسب العيش ، كانت فيما مضى تمثل خط الدفاع الأول ضد التغيرات المناخية والأضرار البيئية. لقد أدى انخفاض مستوى المياه في النهرين اللذين كانا عظيمين ذات يوم دجلة والفرات، إلى ارتفاع مستويات الملح وتدهور نوعية وجودة المياه. ومع وجود تبخر سنوي يصل إلى 3 أمتار و انخفاض مياه النهر ، انتقلت مياه البحر إلى أعلى النهر وإلى القرنة ، ودمرت 60 ألف فدان (هكتار) من الأراضي الزراعية و 30 ألف شجرة.
ولغاية آذار / مارس 2022، تم تسجيل ما يقدر بـ 3000 أسرة نازحة بسبب الجفاف والتدهور البيئي في 8 محافظات في وسط وجنوب العراق. وأظهرت الدراسات الحديثة أن شحة المياه هي أحد الدوافع الرئيسية للهجرة من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، إلى جانب التحديات التي تواجه الزراعة المستدامة والأمن الغذائي.
يؤثر التصحر وندرة المياه بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر ضعفاً. والأسر الضعيفة والتي عانت أصلا من الصراع والنزوح ، تواجه الآن خطر الوقوع في دائرة الفقر لفترة أطول. ومما يثير القلق بشكل خاص الأطفال في المناطق الريفية ، الذين فاتتهم فرص التعليم بسبب النزاع وجائحة كورونا (كوفيد -19) ، والذين قد يتم اجبارهم الآن إلى اللجوء إلى عمالة الأطفال والزواج المبكر لمساعدة أسرهم مالياً على تلبية احتياجاتهم الأساسية من المياه والغذاء..
كما وتواجه الفتيات والنساء ضعفا متزايدا بسبب ندرة المياه ، ويرجع ذلك الى حد كبير إلى عدم المساواة بين الجنسين. بالفعل ,يؤثر الوصول المحدود إلى المياه النظيفة على النظافة في فترة الدورة الشهرية (الحيض)، مما يمس بصحة وكرامة النساء والفتيات. كما ان الكوارث المرتبطة بالمناخ تؤدي إلى إرهاق أنظمة الصحة العراقية المنهكة اساسا. وبدون دعم طبي أثناء عملية الولادة، يزداد خطر حدوث حالات وفيات الأمهات والتي يمكن الوقاية منها. وقد تؤدي التوترات المتزايدة إلى جانب انهيار التماسك الاجتماعي إلى زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي (الجنسانية) ، بما في ذلك العنف الجنسي.
وبدعم مشترك من الجهات الفاعلة المحلية والدولية ، يمكن للعراق العمل على التغلب على الغموض السياسي الوطني والإقليمي للتخفيف من آثار التغييرات المناخية ، وتدهور الأراضي ، ومعالجة إدارة المياه العابرة للحدود الوطنية. ويمكن للسلطات الوطنية والمحلية متابعة التشريعات على وجه السرعة والممارسات المُحَسّنة المطلوبة لاستهلاك وإدارة مستدامة للمياه
يهدف عقد الأمم المتحدة لاستعادة الانظمة البيئية (الايكولوجية) إلى منع وايقاف وعكس اتجاه تدهور الانظمة البيئية في جميع انحاء العالم . وتعمل الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في العراق مع الحكومة والجامعات العراقية على أنظمة الرصد الذكية لتتبع التقدم أو التراجع في الأهداف البيئية والمناخ والموارد المائية و استخدام الأراضي. ان هذه البيانات لها أهمية حاسمة لتزويد صانعي القرار بالمعرفة اللازمة لاتخاذ الإجراءات وصياغة السياسات. ويتم تبادل المعلومات مع المجتمعات المحلية للدعم علناً تخطيط العمل واتخاذ القرارات التي يقودها المجتمع المحلي بشأن الوقاية من الجفاف.
المطلوب هو تثبيت واستقرار التربة وحماية غطاءها النباتي من خلال تشجيع الاستخدام الفعال للمياه ، وتجديد خزانات المياه ، وإعادة تأهيل البنية التحتية لمنظومة الري ، وزراعة المزيد من الأشجار والغابات والشجيرات ، وكذلك زراعة أحزمة خضراء مستدامة حول المدن ، والتحكم في أنشطة التعدين ، وتحسين جودة التربة وحمايتها من الملوحة من خلال تقنيات زراعية أكثر استدامة . ان توفير حلول ري صديقة للبيئة، وإعادة تأهيل وبناء مهارات المزارعين، على سبيل المثال الري بالتنقيط و أنواع الري الذكية ، من شأنه ان يوفر في المياه وله أثر في إحداث تحولا إيجابياً
من المجتمع المحلي والسلطات المحلية والحكومة الوطنية إلى الجهات الدولية الفاعلة: فقط معًا وبدعم من الجميع، يمكننا ضمان مستقبل صحي لأرض العراق ومياهه والأشخاص الذين يعتمدون عليه.