شلل العملية السياسية بعد استقالة الصدريين

عبدالسميع عزاوي
بعد ثمانية أشهر من الشد والجذب، قرر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ترك البرلمان والعمل السياسي، وأمر نواب كتلته بتقديم استقالاتهم إلى محمد الحلبوسي رئيس البرلمان الذي وافق عليها، ووفقا للنظام الداخلي فإن الأمر لا يحتاج إلى تصويت البرلمان وإنما موافقة الرئيس فقط.
لكن استقالة نواب الكتلة الأكبر فجر قنبلة وجعل جميع الفرقاء في حيرة من أمرهم. بل شملت الدهشة حتى حلفاء الصدر في التحالف الثلاثي من العرب السنة والكرد الذين يمثلهم الحزب الديمقراطي. فالجميع لا تصريح قاطعا عندهم سوى التعبير عن الأسف واحترام قرار الصدر. حتى الإطار التنسيقي أصدر بيانا مقتضبا أكد فيه “الاستمرار بالخطوات اللازمة لمعالجة الأزمة السياسية والمضي في الحوارات مع القوى السياسية كافة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية وتشكيل حكومة خدمية وطنية”.

وفي قراءة بسيطة لبيان الإطار التنسيقي، نرى أنه لم يتطرق إلى طرح اسم رئيس الحكومة ومن أي جهة سيكون. الذي حدث ليس سهلا، لأن كل قوى الإطار تعرف مدى تأثير الصدر في الشارع الشيعي، وتعرف أيضا أنه يستطيع تحريك هذا الشارع بلحظات ليقلب الطاولة على الخصوم.
وروجت بعض الجهات إلى بدلاء النواب الصدريين، ووضعت مقابل كل نائب بديله من القوى الأخرى، وكان أغلبهم، حوالي 30 نائبا، من قوى الإطار الشيعي. وهنالك من يسأل، هل يجرؤ النواب البدلاء على الالتحاق بمناصبهم الجديدة بدلا عن نواب التيار الصدري؟ وهل يستطيع الإطار التنسيقي السير بمفرده وبالقوى التي يضمها ليشكل “حكومة خدمية وطنية” كما نص البيان؟
الجميع يعرفون أن ذلك غير ممكن، وأن الانغلاق السياسي في العراق ازداد تعقيدا. والجميع في حيرة من أمرهم، وهذا الأمر ينسحب على حلفاء الصدر الذين أبلغوا في خطاب الاستقالات “أنهم في حل منه”.
ومع استمرار الجمود السياسي، الذي تعقد بشكل كبير، تتبلور النقمة الشعبية بين أتباع الصدر الذين هددوا بتظاهرات مطلقين شعارات “ساعة الصفر”، و“العاصفة قادمة”، لكي ينطلقوا بثورتهم بعد غياب ممثليهم في البرلمان، وترك الساحة للجهة التي كانت سببا في ترك الصدر للبرلمان والعمل السياسي.
وهناك من يطرح سؤالا، هل سيترك مقتدى الصدر خصومه ينعمون بمقاعد أتباعه ويحققون مآربهم وشروطهم التي أصروا عليها طوال ثمانية أشهر؟
الجواب، ومن خلال تجارب سابقة وبشكل قاطع، حتما “لا”، لأن الوضع لن يستمر هادئا إلى ما لا نهاية، خاصة إذا ما حاول الإطار التنسيقي الشروع بتشكيل حكومة يرأسها أحد الساسة الذين لا يحظون بالقبول عند الصدر، ومسألة تسميتهم لرئاسة الوزراء ستشعل نار الفتنة بالشارع العراقي.
ونقف أمام سيناريوهات متعددة، منها حل ما تبقى من كتل البرلمان، والشروع بانتخابات مبكرة، وهذا ما يرفضه الجميع خوفا من نقمة الناخب العراقي الذي كانت مشاركته ضئيلة جدا في الانتخابات الأخيرة، وهذا معناه أن الأغلبية لن تذهب إلى صناديق الاقتراع بسبب خيباتها المتكررة من الساسة الذين تصدروا المشهد، إضافة إلى أن أغلب الكتل لا ترغب بحل البرلمان بسبب التكاليف الباهظة التي تصرف على الحملات الانتخابية والتي لم يمض على صرفها سوى ثمانية أشهر.
أما إذا تشكلت حكومة من قبل الإطار التنسيقي، فإنها ستكون من الحكومات الضعيفة والتي لن يتجاوز عمرها ستة أشهر، بسبب المعارضة الشعبية وعدم تجانس الفرقاء الذين سيشكلونها، وستكون من حكومات المحاصصة التوافقية التي أنتجت فسادا ماليا وإداريا في العراق على مدى 19 عاما.
نقلا عن صحيفة العرب اللندنية
https://alarab.co.uk/شلل-العملية-السياسية-بعد-استقالة-النواب-الصدريين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *