الفرصة الذهبية لحكومة السوداني

لؤي الخطيب
لقد توفرت لحكومة السوداني فرصة ذهبية للحكم لم تتوفر لغيرها من حكومات رؤساء الوزراء السابقين، وعليها استثمارها دون أي أعذار، لوضع العراق على سكة الإصلاح والنجاح، وملخص هذه الفرصة بالآتي:

‏مالياً: استلمت حكومة السوداني أكبر احتياطي نقدي واحتياطي ذهب في تأريخ العراق بسبب تنامي واردات النفط وارتفاع أسعار الأسواق العالمية خلال العامين السابقين،

‏نفطياً: أسواق النفط في أفضل حالاتها ولن تتراجع في الأفق دون الـ ٧٠ دولار للبرميل بسبب الصراعات العسكرية في العالم والانعكاسات السلبية لسياسة Energy Transition التي اعتمدتها إدارة الديمقراطيين في الولايات المتحدة ومن يتبعهم من دول أوربا والشركات النفطية المرتبطة بهم،

‏اقتصادياً: فرص الإصلاح الاقتصادي ما زالت مؤاتية قبل فوات الأوان بسبب تحسن القوة الشرائية والمستوى المعيشي للشعب، حيث لا توجد أسرة بدون صاحب دخل مجزي، كأن يكون موظفاً عمومياً أو من فئة الكسبة أو منتمياً للقطاع الخاص أو أن لديه راتب رعاية اجتماعية،

‏أمنياً: لا يعيش العراق حروباً خارجية أو نزاعات أهلية أو احتلالاً إرهابياً كما في السابق، مما يجعل هذه الفترة الأكثر استقراراً أمنياً، فضلاً عن تطور إمكانات القوات المسلحة بكل صنوفها لمواجهة أي مخاطر أو تهديدات خارجية أو داخلية محتملة،

‏سياسياً: مجمل القوى السياسية داعمة دون قيد أو شرط، بما فيها المرجعيات الدينية، ودون تدخل حتى على مستوى الخطاب السياسي أو خطب الجمعة،

‏مكوناتياً: الأحزاب السنية والكردية تعيش صراعات وانشقاقات داخل ائتلافاتها وهي في منأى عن الشأن السياسي الشيعي، مما منح الحكومة و “إطارها الحاكم” فرصة ذهبية للعب دور محوري في تفكيك أزمات تلك الكتل ورص الصفوف وطنياً وبسط نفوذ الحكومة لتمرير إرادتها في الأمور المُعَطّلة تشريعياً وتنفيذياً. أما شيعياً، فقد فُسح المجال لهذه الحكومة وإطارها الحاكم للمضي ببرنامجهم بعد انسحاب أقوى منافس شيعي في الساحة العراقية على المستوى السياسي والتشريعي طواعية دون شرط أو قيد على أمل إعطائهم الفرصة لتنفيذ برنامجهم، وهذه لم تتوفر لكل الحكومات السابقة،

‏شعبياً: حظيت حكومة السوداني بقبول شعبي غير معهود (لكن بتفاؤل حذر) بالرغم من كل التحديات لأنها أعقبت حكومة عاشت البلاد في ظلها حالة من اللا استقرار في الحكم وإدارة الدولة فضلاً عن تفاقم ملفات الفساد إلى مستويات غير معهودة وكذلك اختراق مؤسسات الدولة وتعرضها للإهانة،

‏دولياً: جميع القوى العظمى مشغولة بصراعاتها، والعراق ليس من أولويات اهتمامها في حلقة الصراع الدولي، بل من مصلحتها أن يبقى العراق آمناً لتأمين إمدادات النفط للسوق العالمية حتى لا يتعرض الاقتصاد العالمي لهزات تفاقم موروث أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية،

‏إقليمياً: ورثت هذه الحكومة دعماً إقليمياً غير معهود هو ثمرة جهود الحكومات السابقة منذ حكومة العبادي ومروراً بحكومة عبد المهدي والكاظمي، صبت كلها في إصلاح الشأن السياسي الخارجي مع العراق وكذلك بين الفرقاء في المنطقة، لذا فالفرصة متاحة أمامها لتطوير دور العراق إقليمياً في مجالات الاستثمارات الاقتصادية والسياسة الخارجية،

‏نصيحتي لهذا الحكومة أن تركز على البرنامج الإصلاحي في الشأن الاقتصادي والتشريعي، جذرياً، بعيداً عن المنجز السطحي والمحدود. وكذلك البناء على منجزات الحكومات السابقة دون الطعن بالمسار التراكمي لبناء الدولة. في النهاية، حكومة السوداني حكومة من حكومات عهد ما بعد ٢٠٠٣، لها بدايتها ونهايتها كسابقاتها، وليست عهداً جديداً تفصله عقود من الزمن عن من منجزات الحكومات السابقة. كما لا يمكن اختزال الحضور السياسي والإنجازات بأفراد وأشخاص هم في آخر المطاف موظفو دولة ليس إلا، بل يجب أن يكون المُنجَز مؤسساتياً وواقعياً ليقلل من ثقل التركة ويؤسس لنجاحات جديدة تبني عليها الحكومات القادمة بعد انتهاء عهد هذه الحكومة وفريقها.