رحل بشار الاسد الذي لم يطعم ضيفه
عبدالسميع عزاوي
منذ بداية عام 2007 وحتى نهاية عام 2009 كنت مراسلا لفضائية عراقية في سوريا ،حيث عملت على نقل اوضاع اللاجئين العراقيين الذين يقيمون بالمدن السورية اثر هروبهم من العنف الطائفي الذي ضرب عددا من المحافظات العراقية .
واتذكر في نهاية عام 2007 وكنا بشهر رمضان ورد الى مدير مكتبنا الزميل منذر الشوفي اتصال من معاون وزير الاعلام السوري طالب قاضي امين طلب فيه ترشيح مراسل ومصور لتغطية فعالية لرئيس الجمهورية بشار الاسد
وذهبت ومعي زميلي المصور الاخ عمر الاسدي ، الى وزارة الاعلام بمنطقة استوراد المزة واستقلينا سيارات ركاب ” كوسترات” ومعنا العشرات من مراسلي الفضائيات العربية والاجنبية وعددا من الزملاء السوريين الذين يعملون بوسائل الاعلام المحلية انذاك .
وعرفنا بعد ان تحركت السيارة ان الواجب هو تغطية فطور لاطفال سوريين يتامى من شتى المكونات تنظمه رئاسة الجمهورية .
واتذكر اننا وصلنا الى قصر الشعب في قاسيون قبل آذان المغرب بحوالي نصف ساعة ودخلنا الى قاعة كبيرة ، كان الاطفال يجلسون فيها على موائد طعام بواقع خمسة اطفال او اكثر ومعهم معلمة .
وعند رفع الاذان بالاذاعة الداخلية وصل بشار الاسد وزوجته اسماء ، وكان يرتدي بدلة باللون الرصاصي بلا ربطة عنق واخذا يجلسان دقائق على كل طاولة ويطلب الحماية من المصورين تصوير جلوس الاسد معهم اما نحن المراسلين بقينا نتفرج على مايحدث ، وكنت اقول في داخلي ان هذا الواجب لن يبثه احد من القنوات عدا التلفزيون السوري لانه امر محلي وغير مهم ، ولم يتضمن اي تصريحات مهمة للرئيس .
وبقينا على هذا الحال ، حوالي 45 دقيقة بعد الافطار وهنا ومن فرط جوعي سألت الزملاء عن وضعنا وكيف سنتناول الفطور واين ؟ ، فاشاروا لي ان اذهب الى العقيد تامر لاسأله وفعلا ذهبت اليه وارشدني الى شخص يقف قرب باب الخروج وذهبت اليه وبدوره اشار الى غرفة قريبة من القاعة وقال وبلهجة سورية : ” هنيك فطور الاعلاميين”
ورحت مسرعا لاتناول اي شي وكنت كشاف لزملائي الذين ينتظرون الفطور .
ووصلت الغرفة لاجد ، كؤوس ماء مملوءة بالماء واخرى مملوءة بالعصير وتمر فقط ، وهنا تناولت تمرة وشربت ماء ونصف قدح عصير وعدت الى عنصر الامن وسألته عن الفطور :
قال هو هذا فطوركم !
وقتها انتبه اليّ الزملاء وهرولوا نحوي يسألون عن الفطور ، وابلغتهم : انه فطور خرافي وقلت تعالوا معي
وعندما وصلوا الى المكان اصيبوا بالدهشة واتذكر كانت معنا احدى الزميلات السوريات وكانت مراسلة لاحدى القنوات المصرية وعندها ذهبت الى رئيس ديوان الرئاسة وقالت وبصوت مرتفع :
اين فطورنا ، اين فطور ضيوفنا من العراق والكويت وقطر والسعودية ، واخذت تعدد الدول التي يتبع لها الضيوف من الاعلاميين
وهنا اخبرها ان تخفض صوتها وقال :
فطور الصحفي هو الخبر الطازج والصورة المعبرة
وهنا ردت عليه : اي خبر انت بتعتبر هذا خبر ، هذا الخبر مايظهر الا في التلفزيون السوري فقط لانه شأن محلي ولم يتضمن اي تصريح للرئيس
وهنا تدخل محسن بلال وزير الاعلام السوري وقال : توجهوا الى السيارات فورا
وركبنا السيارة وعدنا الى منازلنا التي فطرنا فيها بعد ساعتين ونصف من اذان المغرب .
اكتب اليوم هذا المقال بعد رحيل الاسد الذي حكم سوريا بقبضة من حديد وبجهاز امني صارم ، لكنه لم يطعم ضيفه في رمضان .
اتمنى ان تحيا سوريا بأمن واستقرار وحكم ديمقراطي بعيدا عن الثأر والانتقام .