تقرير البنك الدولي بشأن مديونية العراق
د. عبد الباسط تركي سعيد
أعاد تقرير البنك الدولي عن العراق والذي نشرت شفق نيوز قبل فترة قريبة أجزاء مهمة منه، المناقشات التي تتصاحب مع اي أزمة من الأزمات التي يتعرض لها الاقتصاد العراقي عند تصدرها لأروقة المناقشات وعندها يتنادى الجميع لضرورة الإصلاح الجاد الذي يجب أن يعالج أساس الإشكالية الاقتصادية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي احادي الجانب والريعي النشاط والمفتوح بشكل شبه المطلق (استيراد وتصدير) على الخارج، الاقتصاد الذي اخذت تترسخ فيه الاختلالات الهيكلية معمقة من أزمته ومشاكلها ومتغذية منها.
في كل الفرص التي تناولنا فيها موضوعات الإصلاح الاقتصادي كنا نؤكد ان أي توجه للإصلاح يجب أن يكون بإرادة جادة مستعدة أن تدفع كلفته سياسياً ومادياً وهي تتصادم مع قوى تجد مصالحها بل ووجودها في استمرار غياب هذا الإصلاح أو التوجه نحوه.
عندها تكون الخطوة التأليه هي ضمان الأمن الغذائي عند المستوى الاستهلاك الملائم ولكل العراقيين عبر شمولهم بنظام البطاقة التموينية والتوسع في محتويات هذه البطاقة وكان وراء ذلك التأكيد الدائم ،على شمولية وتعزيز البطاقة التموينية هو توقع ان الشرائح الدخلية الهشة ومحدودة الدخل هي من يدفع الثمن أولاً لأي إصلاح اقتصادي حقيقي خلال فترات التحول وان شمول كافة العراقيين بها يضمن الأمن الغذائي القومي لفترة مناسبة لبلد لا يسد الإنتاج المحلي فيه نسبة تذكر من المتطلبات السلعية الأساسية على الأقل، وبما يضمن للشرائح واطئة الدخل بالذات بالإضافة إلى المستوى الغذائي الذي تستحقه سوف يضمن فرص لزيادة دخولها الحقيقية عندها يمكن التوجه بجراءه نحو الإصلاح الاقتصادي الحقيقية.
عند نشر التقرير الأخير للبنك الدولي حول وضع الاقتصاد العراقي وحجم المديونية الداخلية والخارجية التي تجاوزت (152) مليار دولار فقد تناقلت وسائل الإعلام تركيز عدد من (المتحدثين) بصدده على عدم دقة وصحة هذا الرقم وتراوحت تقديراتهم بين (102-130) مليار دولار أي الإشكالية التي كانت لديهم هو هل صحيح هذا الرقم أم مبالغ به!!!! وحاول البعض منهم أن يظهر نفسه بأكثر موضوعية اذ أشار إلى أنه لا يعتقد بصحة الرقم ولكنه لا يعرف كيف قام البنك الدولي بالتواصل إلى هذا الرقم عند احتساب المديونية ؟؟؟(وربما كان البنك قد احتسب أثر عجز الموازنة لعام 2023 وما سيترتب علية من زيادة في المديونية) ولم يتطرق أي منهم إلى وصف التقرير للاقتصاد العراقي باعتباره (اقتصاد هش و آفاق مستقبله ما تزال معرضة لمخاطر كبيرة) بل حتى لم يتطرقوا للوسائل التي يمكن أن تقود لمعالجة هذه المديونية ولم ينظّروا حتى للوسائل التي يمكن أن تقود لمعالجة هذه الازمه وتدارك آثارها باعتبارها ظاهرة لاقتصاد مأزوم.
في عام (2009) كانت أسعار النفط وقد تراجعت إلى مستويات مفاجأة وتراجع معها(الايراد) الحكومي وظهر عجز الموازنة، ثم استعادت أسعار النفط مستوياتها المناسبة بعد ذلك. الا أن ما بعد أحداث عام (2014) وما تبعها من تحرير المناطق التي سيطرت عليها داعش وما تلاها من سنوات بدأت تظهر على السطح بشكل مستمر أثار الاختلالات الهيكلية للاقتصاد العراقي ولكن كان الاهتمام دائما ينصب نحو معالجة مشكلة الحكومة في توفير الموارد لتغطية نفقاتها العامة وحسب!!! وهنا يعود إلى ظهور اتجاهين لمواجهة ما تبرزه الأزمة اما الذهاب لمعالجة أسباب الأزمة بشكل جذري وهو ما يتطلب جهدا ودرجة عالية من الاستعداد لتحمل المسؤولية واتخاذ قرارات عميقة التأثير يقع في مقدمتها تغيير سعر صرف الدينار العراقي
والاتجاه الثاني هو معالجة آثار الازمة الطارئة ذاتها عبر حلول سريعة تنقذ متخذ القرار من الحرج ولكنها تنقله إلى مستوى أزمة أعلى وأخطر وهذا هو ما ذهب إليه مستشارو المديونية في العراق في جميع الأزمات التي واجهت الحكومة حيث كانت تحل عن طريق لاستدانة وليس معالجة أسباب الأزمة واللجوء إلى الاستدانة (وبضمنها الإصدار النقدي) طريقة سهلة وسريعة ومحدودة الأثر تماماً ( انيا في الاقل)على ردود أفعال الشرائح الاجتماعية، فهو لا يستفز الفقراء ولا يخفض الرواتب ويلغي في نفس الوقت مبرر فرض أو تحصيل فعلي للضرائب على الشرائح عالية الدخل …ولكنه مخدر قاتل بامتياز وهذا هو ما حدث فعلاً وما يستدعي مواجهته سواء اكان ذلك في توصيات الجهات الدولية المتخصصة من عدمه أن المزايا النسبية التي يتمتع بها العراق سواء النفط او الموقع الاستراتيجي هي فرص ليست مؤبده يجب أن نتسابق مع الزمن على استغلالها وهذا ما نراه دائما وكان آخرها ما أشرنا إليه في المقالة المنشورة في صحيفة العالم في 19/12/2022 حول الإصلاح الاقتصادي.
ليس من المتوقع أن يقترح مستشارو المديونية غير المزيد من المديونية المستقبلية التي تصادر فرص الحياة الكريمة للأجيال القادمة وفرص البناء المستقبلي.. في حين ان انطلاق الاقتصادات المعاصرة كان يعتمد دائما على آليات الوصول إلى الموارد الاقتصادية وكفاءة إدارتها وليس تبديدها. الاقتصاد في عالم أصبح بامتياز قرية صغيرة لا ينتظر حتى استكمل النقاشات بشأن الحوافز التي يجب أن نقدمها للاستقدام المستثمرين الأجانب في بيئة طارده بقسوة حتى للاستثمار المحلي.
يجب ان نتسابق مع الزمن….