روح اوكرانيا التي لاتنكسر
عباس عزيز علي
عضو في اتحاد المترجمين العراقيين
لقد جاهدت شعوب الأرض طويلًا كي تبلغ المعنى الحق للحياة الحرّة، لتعيش وتدرك جوهر الحرية. فالحرية طريقٌ يُمارس فيه الإنسان سلوكه القويم، وينال حقوقه الطبيعية والفطرية كاملة غير منقوصة. الحرية نسمة طيبة تريح قلوب الأخيار، وتجعل الحياة ممكنة، ميسّرة للجميع. الحرية أن تفعل وتفكّر كما تشاء، فلا سجن ولا استعباد ولا إسكات للأصوات. إنّها قدرة المرء على اتخاذ القرار بلا قيد ولا تدخّل.
وفي أوكرانيا كان هناك دومًا بطل يكسر القيود، ويحرر الأم والوطن. إنه تاراس غريغوروفيتش شيفتشينكو، الرمز الخالد للاستقلال الأوكراني، الذي خلّص شعبه من طغيان القياصرة. لقد منحت الطبيعة عبر كل العصور رجلًا موهوبًا شجاعًا، فتجلّت في تاراس، شاعر أوكرانيا الأكبر. أحسّ ببلاده في عمق الحزن، واستحضر أمَّه بحرارة الشوق والألم، وجعل لغته المحرَّمة تصرخ على الغزاة الذين استباحوا عقول الفقراء وقلوبهم، أولئك الذين كانوا أغنياء بأرواحهم لكن القياصرة سرقوا كنوزهم.
كان تاراس مخلوقًا لغاية سامية: أن يقتلع الشر من جذوره، وأن يواجه الروس الذين ملكوا الأرض كإقطاعيين، والفلاحين كأقنان. لقد وقف الشاعر ليحرّر أمَّ أوكرانيا، فهي مهد الحياة الجديدة، حياة الحرية. جعل المستحيل ممكنًا، وحوّل العُقَدْ إلى حلول، عبر أغانيه وكتابه الخالد الكوبزار. حرّر اللغة، واللغة حررت الأمة. وكانت وصيته (زابوفيت) قصيدة مقدسة لخّصت ملحمة المقاومة الروحية والجسدية للشعب الأوكراني. لقد قلب المعادلة حين جعل المستضعفين أرفع شأنًا من القياصرة المستبدين.
وبفنونه العظيمة، من لوحات رسمه إلى أشعاره، ومن ملحمته الهيداماكي إلى مسرحيته الشعبية نزار ستودوليا، ومن قصيدته كاترينا عن الفتاة الطاهرة المخدوعة بالمحتلين، إلى حِرفته في التطريز وعمله في علم الآثار بما امتلكه من علم وعبقرية، حرّر شعبه، شعب الأمة العظيمة: أوكرانيا.
أوكرانيا، تلك الجنّة التي أبدعها الخالق على الأرض، تستحق أن يحرسها رجل مقدّس، لأنها بحد ذاتها مقدّسة. لقد زيّنها الله بالسكينة والجمال، وبمناظر فاتنة، وأرواح لا تنفد من رواية القصص على ضفاف الأنهار والبحيرات. وتقول أوكرانيا للإنسان: إن الحياة لا تستحق أن تُعاش إلا هنا، حيث الإيحاءات والومضات التي تفتح أبواب الإبداع، وحيث تُلهم الروح كتابة أروع الأفكار. لا يمكن أن يذوق الإنسان طعم “الحب” ما لم يعش في ربوعها ولو لحظة، ليشعر كم يحب شعبها الأصيل بلاده ويسعى إلى تحريرها كاملة.
وبمناسبة اليوم الوطني لاستقلال أوكرانيا، نرفع الدعاء من أجل السلام والحرية. فشعب أوكرانيا شعبٌ مسالم، وهذه الأرض ستتحرر مجددًا، لأن تاراس شيفتشينكو باقٍ بيننا، شاعر أوكرانيا هو البطل الذي لا يموت.

