قراءة في سوق القطاع الخاص
كتب : جرير محمد ال عبدالواحد 
العمل في القطاع الخاص، وخصوصًا التجارة، لم يعد نشاطًا اقتصاديًا طبيعيًا… بل أصبح أقرب إلى الجهاد اليومي بفعل قيود خانقة وقرارات متخبّطة تُعلن الحرب عليه بدل دعمه.
تابعت حوارا دار بين عدد من التجار في قطاعات مختلفة تحدثوا عن مشاكلهم مستغربين من طريقة التعامل معهم
المعاناة تبدأ من تأسيس الشركة: إجراءات مصرفية معقّدة، موافقات وأوراق وأختام لا تنتهي، ثم تمتد إلى المنافذ الحدودية وما يرافقها من مزاجيات وتأخير، وصولًا إلى السيطرات على الطرق حيث يتكرّر الاستجواب والشك، ويُعامل التاجر كمتهم. ويخرج التاجر بملف ورقي ضخم مطلوب رسميًا للمصارف والدوائر، ليُفاجأ أحيانًا بتمزيقه في السيطرات بحجة منع إعادة استخدامه!
وفي خضم هذا المشهد، تصدر قرارات اقتصادية تُربك السوق بدل تنظيمه.
قبل أيام مثلا في القطاع الغذائي يقول احد التجار بأنه سُمح باستيراد العصائر والكيك بعد منع دام سنتين بعنوان حماية “الإنتاج الوطني”، وبعد أن تورّط كثيرون بتأسيس معامل وجلب خطوط إنتاج كبيرة اعتمادًا على قرار حكومي يفترض به الاستقرار.
وخلال فترة المنع، وبسبب كثرة المعامل، دخل المنتجون في منافسة قاسية على الأسعار: حبة العصير (تترا باك 180–200 مل) نزلت من 250 دينار إلى حبتين بـ250، ثم ثلاث حبات بـ250 في الصيف الماضي.
تخيلوا اليوم حال هذه المعامل بعد فتح الاستيراد فجأة.
والأكثر غرابة يشير تاجر اخر أن مادة الكيك لم ينقطع مستوردها أصلًا، بل كانت تدخل بطرق ملتوية وغير قانونية مقابل 5–6 آلاف دولار فقط، بل احدى المفارقات إن الخطوط الجوية العراقية—وخلال فترة المنع الحكومي—كانت تقدّم بوب كيك تركي المنشأ في وجباتها للمسافرين!
هكذا تُحمى الصناعة الوطنية… على الورق فقط.
والقادم أخطر يقول تاجر كهربائيات اذ ستطبق اعتبارًا من 1/1/2026 تعرفة كمركية جديدة تقفز من 15% إلى 30%، مع 3% أمانات ضريبية، وشهادة جودة بـ5000 دولار لكل صنف تشمل الأجهزة الكهربائية ومواد التأسيس وغيرها، ما يرفع كلفة أقل حاوية إلى 20 مليون دينار على الأقل بسعر الدولار الحالي، عدا النقل والمصاريف. ومع سوق يبيع على 1350 وبالأجل، فإن أي ارتفاع للدولار سيكون انفجارًا في السوق.
لهذا يتوقع التجار أن يكون عام 2026 الأسوأ منذ عقود، استنادًا إلى قرارات المجلس الاقتصادي الوزاري الأخيرة، وبدأ كثيرون بتخفيف نشاطهم أو التفكير الجدي بالانتقال إلى دول تقدّم تسهيلات حقيقية مثل سلطنة عُمان ودبي. وفي المقابل، تُسجَّل حاجة ملحّة لمواقف واضحة من غرف التجارة واتحاد رجال الأعمال واتحاد الصناعات العراقية، دفاعًا عن القطاعات التي تمثلها، وبضغط مشروع أسوة بما فعله المقاولون والمزارعون لتحصيل حقوقهم.
وخلص الحوار مع عدد من التجار الى تسجيل عدد من المطالب الاقتصادية الواضحة:
1. استقرار القرار الاقتصادي ومنع المفاجآت.
2. مراجعة سياسة المنع/السماح وربطها بدعم فعلي للإنتاج المحلي.
3. تخفيف التعرفة الكمركية وأمانات الضرائب، ومراجعة كلفة شهادات الجودة.
4. تبسيط الإجراءات في المنافذ
والسيطرات واحترام الوثائق الرسمية.
5. إشراك ممثلي القطاع الخاص في صنع القرار الاقتصادي.
الاقتصاد لا يُدار بالارتجال، ولا تُحمى الصناعة بإرباك السوق، ولا تُبنى الدولة بمحاصرة من يعمل .

