الاتفاق السعودي الإيراني خطوة على طريق التعددية القطبية وحل القضية الفلسطينية
رامي الشاعر
كاتب ومحلل سياسي
أعلنت إيران والسعودية عن “تطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية” بمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وكان اتفاق بين الرئيس شي جين بينغ وكل من قيادتي السعودية وإيران قد جرى بشأن استضافة الصين ورعايتها للمباحثات بين السعودية وإيران، رغبةً من الطرفين في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية، وفي إطار من الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرهما من المواثيق والأعراف الدولية.
وبالفعل، فقد جرت في الفترة من 6-10 مارس الجاري مباحثات ودية بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما أعرب الجانبان عن تقديرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات حوار سابقة في الأعوام 2021-2022، وشكرهما لقيادة وحكومة الصين على استضافة المباحثات ورعايتها وإنجاحها.
وتضمن الاتفاق توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين وإعادة فتح السفارات والممثليات خلال مدة أقصاها شهران.
وقد رحبت العراق وسلطنة عمان والإمارات وتركيا ومصر وكثير من دول وكيانات المنطقة بهذه الخطوة المهمة، التي ستسهم في تحقيق أمن واستقرار وازدهار المنطقة.
لم تكن روسيا بعيدا عن هذا الاتفاق، حيث أفاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في تصريح لـ RT بأن موسكو ساهمت في العملية السياسية جنباً إلى جنب مع دول أخرى مثل سلطنة عمان والعراق وغيرهما، وقال إنه زار البلدين مؤخرا، وكانت قضية التطبيع بينهما في جدول أعمال الزيارة.
وأضاف بوغدانوف أن عودة العلاقات تتماشى مع المبادرات الروسية الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الاقتصادي العالمي، واصفاً التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران بأنه إيجابي للغاية، ويأتي في سياق سياسة روسيا الداعية إلى حسن الجوار وضمان واحترام السيادة والاستقلال.
على الجانب الآخر، لم يتّسم الرد الأمريكي على الاتفاق بنفس درجة الحرارة والحماسة، حيث رحبت الولايات المتحدة باستئناف العلاقات الدبلوماسية، إلا أنها وفي الوقت نفسه أعربت عن شكوكها في “احترام طهران لالتزاماتها”، حيث أعلن الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي بأن واشنطن “ترحب بالاتفاق، إلا أنه ينبغي رؤية ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها”.
وليس أدل من رد الرئيس الأمريكي جو بايدن على سؤال للصحفيين بخصوص رأيه في الاتفاق بين السعودية وإيران، عندما تجاهل نهائيا السؤال المحدد، وأجاب بأهمية تطبيع وتقوية وتوسيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، مكتفياً بذلك، فيما جاءت تصريحات أمريكية أخرى من عدد من المسؤولين بـ “عدم الارتياح” لهذا الاتفاق. يكشف ذلك أيضاً أن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل في أغلب الأحيان كانتا وراء معظم الخلافات بين دول منطقة الشرق الأوسط، وهما من وفرتا الأرض الخصبة دائماً للصراعات والتوترات بالتنظير لنظريات على غرار “الشرق الأوسط الكبير” و”الفوضى الخلاقة” و”الهلال الشيعي” و”المحور السني” و”الناتو العربي” وغيرها من المسميات التي تخلق واقعاً في منطقة الشرق الأوسط يضمن الهيمنة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية على مقادير المنطقة، لتكون جبهة مساندة لها في مواجهة مسار الانتقال المنطقي والطبيعي إلى عالم التعددية القطبية، الذي تسير عليه روسيا والصين والهند ودول البريكس التي يزداد عدد الراغبين في الانضمام إليها في الفترة الأخيرة بشكل دائم.
يأتي ذلك الاتفاق أيضاً كطعنة موجهة لمسار التطبيع الإسرائيلي مع بعض الدول العربية بوصف إسرائيل “الشريك الإقليمي الموثوق”، وإيران “مصدراً للتهديد والخطر”، ويأتي ليضع النقاط على الحروف بشأن نظرية الأمن في منطقة الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة.
لهذا فإن الإدارة الأمريكية الحالية ومعها الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل يعيشان الآن مرحلة صعبة، أصبح من الممكن تسميتها بمرحلة الفشل والهزيمة، فيما يفلت الشرق الأوسط من بين أيديهما، وتصبح القواعد العسكرية الأمريكية، ومليارات الدولارات التي أنفقت على “أمن الخليج”، و”الإملاءات” و”فرض المواقف” بالمساعدات تارة وبالتهديد تارة أخرى أموراً من الماضي، ولن أستغرب إذا ما كنا شهوداً قريباً على وضع حدٍ لإسرائيل وممارساتها العنصرية والتوسعية والهمجية المنفلتة، وربما انقلاب تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية رأساً على عقب ضد إسرائيل إذا لم تتوقف عن هذه السياسات، ولم تستجب للمبادرة السعودية، وتنسحب من كافة أراضي 67 بما في ذلك القدس الشرقية، ويتم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة.
إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وما سيتبعها من تطبيع للعلاقات الإيرانية مع باقي دول المنطقة، لهو فشل للرهان الأمريكي الإسرائيلي على إحداث شرخ في العالم الإسلامي بين السنة والشيعة، وسيعزز سيادة جميع دول المنطقة، وحقها الكامل في اختيار سياساتها، وهو ما سيشكل دعماً راسخاً لنضال الشعب الفلسطيني، والمضي نحو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وربما تفعيل دور الرباعية الدولية للتسوية في الشرق الأوسط، وكل ما يصب في مصلحة القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى.
لا شك أننا مقبلون على تحولات هامة جداً ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، ولكن على مستوى العالم، فيما لا زال الاتحاد الأوروبي المريض منساق وراء الولايات المتحدة الخرفة لفتح جبهات جديدة في أوروبا، آخرها في بريدنيستروفيه ثم في جورجيا، في محاولة لفتح جبهات جديدة، بعد هزيمتهم في الجبهة الرئيسية بأوكرانيا. أوروبا تدرك ذلك، إلا أنها تتجاهله، وتتجاهل إرادة شعوبها، التي بدأت في طرح الأسئلة بشأن عودة ملايين اللاجئين الأوكرانيين إلى أوطانهم، وسقف المساعدات الأوكرانية العسكرية من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين، وفاتورة العقوبات ضد روسيا، وهي أسئلة لن تفضي سوى إلى انهيار الاتحاد الأوروبي، و”الناتو”.
إننا بصدد تحولات ربما تقودها دول البريكس، وتقودها في منطقتنا المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا ومصر وغيرهم من الدول الفاعلة في المنطقة وفي إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية، الدول التي اختارت مسار التعددية القطبية مصيراً للعالم، بعد فشل نظرية “القرن الأمريكي” وهيمنة القطب الواحد.
اليوم، بإمكاننا القول إن اتفاق السعودية وإيران بمثابة خطوة هامة وبارزة نحو هذا المسار، وبإمكاننا القول إن أهداف المخطط الأمريكي في افتعال الأزمة الأوكرانية وفتح الجبهات في محيط روسيا فشلت وهزمت، ولن تنشب حرب عالمية بعد اليوم، لا سيما أن دول “الناتو” تعي جيداً أن صداماً مباشراً مع روسيا سيكون مدمراً لهذه الدول، حتى دون اللجوء لاستخدام السلاح النووي.
سوف نشهد قريباً جداً كيف سيبادر الغرب إلى التراجع عن جميع الحماقات التي ارتكبها في تهديد الأمن القومي الروسي، ومحاولات إعاقة مسار الانتقال إلى النظام العالمي الجديد وعالم التعددية القطبية. وفي هذا الإطار، ربما سوف نشهد كذلك عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، واضطلاع الجامعة بدورها وتأثيرها بوزن مختلف وإرادة سياسية مختلفة في حل القضية الفلسطينية استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية.