الدعم الحكومي وأثره السلبي على الاقتصاد العراقي
دلؤي الخطيب
هذه المقالة لا تخص حكومة بعينها بقدر ما هي رصد لحالة انهيار تراكمي للاقتصاد العراقي منذ عام ٢٠٠٣ بسبب تكريس النظام الريعي والاشتراكي.
مفردة “الدعم” هنا لا أقصد بها القرارات الصحيحة الداعمة للاقتصاد العراقي التي تصب بنمو الناتج المحلي وتطوير البلاد من خلال خلق سوق تنافسية واعدة يقودها القطاع الخاص الرصين والاستثمارات الحقيقية الجاذبة لرؤوس الأموال على أسس اقتصاد السوق، بل أقصد سياسة الدعم المالي التي كرّست للنهج الاشتراكي وأسست للهيمنة الحكومية على الأسواق بأسعار وهمية لا علاقة لها باقتصاد السوق والأسعار الحقيقية.
بعد مضي ١٨ عاماً على استفتاء دستور الدولة الاتحادية عام ٢٠٠٥، لا زال العراق يرزح تحت مطرقة الاشتراكية وسندان الهيمنة الحكومية في مجمل قطاعات الدولة التشغيلية التي آن لها أن تتحرر وتنطلق في فضاء الاقتصاد الحر. وما زالت المادة (٢٥) من الدستور معطلة في المضي بالاصلاح الاقتصادي والتي تنص على “تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمن استثماراً كاملاً لموارده وتنويع مصادره وتشجيع القطاع الخاص وتنميته”. في حين تم الالتفاف على المادة (٢٦) من الدستور والتي تنص على “تكفل الدولة تشجيع الاستثمارات في القطاعات المختلفة، وينظم ذلك بقانون”. هذا الالتفاف على المواد الدستورية خلق قطاعاً خاصاً مُسيّس الولاء وطبقة اجتماعية من الأثرياء الجديد بثراء فاحش، ممن يُعرفون اجتماعياً بحديثي النعمة، الأمر الذي فاقم أزمة الفوارق الطبقية بين أبناء الشعب الواحد.
إن موروث السياسة الاقتصادية المبني على الدعم الحكومي المالي أبان عهد الدكتاتورية كان المنتفع منه شخص الدكتاتور وحلقته الخاصة فقط، في حين كان الوضع مُسيطراً عليه بسبب سطوة الدكتاتور وحجم النسمة السكانية المحدود في البلاد نسبة لحجم الموارد والواردات. أما بعد عام ٢٠٠٣ فمن الصعوبة بمكان الاستمرار على ذات النهج الاقتصادي وسياقات الدعم المالي للقطاعات الحكومية والسلع وصولاً إلى تحديد صرف الدولار بسعر حكومي مدعوم بعيداً عن واقع الصرف في الأسواق، وكل هذا في ظل نمو سكاني بنسبة ٢.٦٪ سنوياً وحكم ديمقراطي منقوص وفوضوي تعددت فيه السلطات والرئاسات السياسية المتنفذة في البلاد، فضلاً عن انتفاع الحلقات الخاصة لهذه الأقطاب الحاكمة.
لذا، سيستمر التضخم ويستمر معه ارتفاع سعر صرف الدولار إذا استمر الدعم الحكومي لدولار البنك المركزي، وسيتراجع مستوى الخدمات مع استمرار الدعم الحكومي على السلع، وسيتفاقم الفساد وسوء الإدارة بديمومة الدعم الحكومي لاقتصاد غير مُنتج وغير مستدام وقطاعات خاسرة.
سياسة الدعم الحكومي ستقود إلى الانهيار الحتمي للاقتصاد العراقي مع أول أزمة تؤدي إلى تراجع أسعار النفط في ظل النمو السكاني غير المنضبط وتنامي الطلب اللامتناهي. كما أن قصة دعم الدولار حكومياً لا تختلف تبعاتها عن دعم السلع بما فيها أسعار الوقود المحلي وتعرفة الكهرباء ومفردات المواد التموينية وانعدام الاصلاح الضريبي، حيث البون الشاسع بين الأسعار الحكومية والقيمة الحقيقية للعملة المتداولة والسلع، حيث لا ينتفع من فارق الفجوة بين السعر الحقيقي والمدعوم حكومياً غير حلقات خاصة مرتبطة بصُنّاع القرار السياسي في بالبلاد.
الدعم الحكومي اليوم بمجمل أبوابه يستنزف من الخزينة الاتحادية بحدود ٥٥٪ سنوياً من واردات الدولة دون إضافة للناتج المحلي. أما الحلول فمعروفة وقابلة للتطبيق حتى لو كانت صعبة ومؤلمة، بهدف إصلاح الاقتصاد جذرياً. في حين يبقى الاستمرار بسياسة الدعم الحكومي للسلع والعملة هو أسوء الحلول وأفسدها على الإطلاق وأبعدها عن تحقيق العدالة الاجتماعية وأقربها إلى سيناريو إفقار العراق.
الوضع الاقتصادي ليس بصالح العراق ولا يحتمل الانتظار والكلام الدبلوماسي والمجاملات والرهانات على حلول ترقيعية في الوقت بدل الضائع. يجب المضي بإصلاح الاقتصاد وإنهاء الدعم الحكومي واعتماد سياسة الاقتصاد الحر في كل المفاصل، الآن ودون تأجيل لوقف سيناريو الانهيار الحتمي لاقتصاد